الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب مَا يَكُونُ مِنْ فُتُوحَاتِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الدَّجَّالِ: قَوْله: «لَعَلَّهُ نُجِّيَ مَعَهُمْ» أَيْ يُنَاجِيهِمْ وَمَعْنَاهُ يُحَدِّثهُمْ. قَوْله: «فَحَفِظْت مِنْهُ أَرْبَع كَلِمَات» هَذَا الْحَدِيث فيه مُعْجِزَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَبَقَ بَيَان جَزِيرَة الْعَرَب. .باب فِي الآيَاتِ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ: قَوْله: (عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ فُرَات عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَنْ حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ) هَذَا الْإِسْنَاد مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: وَلَمْ يَرْفَعهُ غَيْر فُرَات عَنْ أَبِي الطُّفَيْل مِنْ وَجْه صَحِيح. قَالَ: وَرَوَاهُ عَبْد الْعَزِيز بْن رُفَيْع وَعَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة مَوْقُوفًا. هَذَا كَلَام الدَّارَقُطْنِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم رِوَايَة اِبْن رُفَيْع مَوْقُوفَة كَمَا قَالَ، وَلَا يَقْدَح هَذَا فِي الْحَدِيث؛ فَإِنَّ عَبْد الْعَزِيز بْن رُفَيْع ثِقَة حَافِظ مُتَّفَق عَلَى تَوْثِيقه، فَزِيَادَته مَقْبُولَة. قَوْله: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْرَاط السَّاعَة: «لَنْ تَقُوم حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلهَا عَشْر آيَات فَذَكَرَ الدُّخَان وَالدَّجَّال» هَذَا الْحَدِيث يُؤَيِّد قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّ الدُّخَان دُخَان يَأْخُذ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّار، وَيَأْخُذ الْمُؤْمِن مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَام، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بَعْد، وَإِنَّمَا يَكُون قَرِيبًا مِنْ قِيَام السَّاعَة، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب بَدْء الْخَلْق قَوْل مَنْ قَالَ هَذَا، وَإِنْكَار اِبْن مَسْعُود عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ عِبَارَة عَمَّا نَالَ قُرَيْشًا مِنْ الْقَحْط حَتَّى كَانُوا يَرَوْنَ بَيْنهمْ وَبَيْن السَّمَاء كَهَيْئَةِ الدُّخَان، وَقَدْ وَافَقَ اِبْن مَسْعُود جَمَاعَة، وَقَالَ بِالْقَوْلِ الْآخَر حُذَيْفَة وَابْن عُمَر وَالْحَسَن، وَرَوَاهُ حُذَيْفَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يَمْكُث فِي الْأَرْض أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيُحْتَمَل أَنَّهُمَا دُخَانَانِ لِلْجَمْعِ بَيْن هَذِهِ الْآثَار. وَأَمَّا الدَّابَّة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْحَدِيث فَهِيَ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْل عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنْ الْأَرْض} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هِيَ دَابَّة عَظِيمَة تَخْرُج مِنْ صَدْع فِي الصَّفَا. وَعَنْ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ أَنَّهَا الْجَسَّاسَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث الدَّجَّال. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَآخِر ذَلِكَ نَار تَخْرُج مِنْ الْيَمَن تَطْرُد النَّاس إِلَى مَحْشَرهمْ» وَفِي رِوَايَة: «نَار تَخْرُج مِنْ قُعْرَة عَدَن» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول: (قُعْرَة) بِالْهَاءِ وَالْقَاف مَضْمُومَة، وَمَعْنَاهُ مِنْ أَقْصَى قَعْر أَرْض عَدَن، وَعَدَن مَدِينَة مَعْرُوفَة مَشْهُورَة بِالْيَمَنِ. قَالَ الّمَاوَرْدِيّ: سُمِّيَتْ عَدَنًا مِنْ الْعُدُون، وَهِيَ الْإِقَامَة؛ لِأَنَّ تُبَّعًا كَانَ يَحْبِس فيها أَصْحَاب الْجَرَائِم، وَهَذِهِ النَّار الْخَارِجَة مِنْ قَعْر عَدَن وَالْيَمَن هِيَ الْحَاشِرَة لِلنَّاسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيث. 5163- قَوْله: (عَنْ أَبِي سَرِيحَة) هُوَ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَكَسْر الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرْحَل النَّاس» هُوَ بِفَتْحِ التَّاء وَإِسْكَان الرَّاء وَفَتْح الْحَاء الْمُهْمَلَة الْمُخَفَّفَة، هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ، وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُور، وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَتهمْ، وَمَعْنَاهُ تَأْخُذهُمْ بِالرَّحِيلِ، وَتُزْعِجهُمْ، وَيَجْعَلُونَ يَرْحَلُونَ قُدَّامهَا، وَقَدْ سَبَقَ شَرْح رَحْلهَا النَّاس وَحَشْرهَا إِيَّاهُمْ. .باب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ: .باب فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَعِمَارَتِهَا قَبْلَ السَّاعَةِ: 5166- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَتْ السَّنَة أَنْ لَا تُمْطِرُوا» وَالْمُرَاد بِالسَّنَةِ هُنَا الْقَحْط، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ}. .باب الْفِتْنَةِ مِنَ الْمَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ: .باب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ دَوْسٌ ذَا الْخَلَصَةِ: وَأَمَّا (تَبَالَة) فَبِمُثَنَّاةٍ فَوْق مَفْتُوحَة ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة مُخَفَّفَة، وَهِيَ مَوْضِع بِالْيَمَنِ، وَلَيْسَتْ تَبَالَة الَّتِي يُضْرَب بِهَا الْمَثَل، وَيُقَال: أَهْوَن عَلَى الْحُجَّاج مِنْ تَبَالَة؛ لِأَنَّ تِلْكَ بِالطَّائِفِ. وَأَمَّا (ذُو الْخَلَصَة) فَبِفَتْحِ الْخَاء وَاللَّام هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، حَكَى الْقَاضِي فيه فِي الشَّرْح وَالْمَشَارِق ثَلَاثَة أَوْجُه: أَحَدهَا هَذَا، وَالثَّانِي بِضَمِّ الْخَاء، وَالثَّالِث بِفَتْحِ الْخَاء وَإِسْكَان اللَّام. قَالُوا: وَهُوَ بَيْت صَنَم بِبِلَادِ دَوْس. 5174- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ يَبْعَث اللَّه رِيحًا طَيِّبَة فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ إِيمَان... إِلَى آخِره» هَذَا الْحَدِيث سَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الْإِيمَان. .باب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الْمَيِّتِ: 5178- سبق شرحه بالباب. 5179- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُخَرِّب الْكَعْبَة ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَة» هُمَا تَصْغِير سَاقِي الْإِنْسَان لِرِقَّتِهِمَا، وَهِيَ صِفَة سُوق السُّودَان غَالِبًا، وَلَا يُعَارِض هَذَا قَوْله تَعَالَى: {حَرَمًا آمِنًا} لِأَنَّ مَعْنَاهُ آمِنًا إِلَى قُرْب الْقِيَامَة وَخَرَاب الدُّنْيَا، وَقِيلَ: يُخَصّ مِنْهُ قِصَّة ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: الْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر. 5183- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْلِك رَجُل يُقَال لَهُ الْجَهْجَاهُ» بِهَاءَيْنِ، وَفِي بَعْضهَا (الْجَهْجَا) بِحَذْفِ الْهَاء الَّتِي بَعْد الْأَلِف، وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور. 5184- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَأَنَّ وُجُوههمْ الْمَجَانّ الْمُطْرَقَة» أَمَّا (الْمَجَانّ) فَبِفَتْحِ الْمِيم وَتَشْدِيد النُّون جَمْع مِجْن بِكَسْرِ الْمِيم، وَهُوَ التُّرْس. وَأَمَّا (الْمُطْرَقَة) فَبِإِسْكَانِ الطَّاء وَتَخْفِيف الرَّاء، هَذَا هُوَ الْفَصِيح الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة، وَفِي كُتُب اللُّغَة وَالْغَرِيب، وَحُكِيَ فَتْح الطَّاء وَتَشْدِيد الرَّاء، وَالْمَعْرُوف الْأَوَّل. قَالَ الْعُلَمَاء: هِيَ الَّتِي أُلْبِسَتْ الْعَقِب، وَأَطْرَقَتْ بِهِ طَاقَة فَوْق طَاقَة. قَالُوا: وَمَعْنَاهُ تَشْبِيه وُجُوه التُّرْك فِي عَرْضهَا وَتَنَوُّر وَجَنَاتهَا بِالتِّرْسَةِ الْمُطْرَقَة. 5186- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذُلْف الْآنِف» هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْمُهْمَلَة، لُغَتَانِ، الْمَشْهُور الْمُعْجَمَة، وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فيه صَاحِبَا الْمَشَارِق وَالْمَطَالِع، قَالَا: رِوَايَة الْجُمْهُور بِالْمُعْجَمَةِ، وَبَعْضهمْ بِالْمُهْمَلَةِ، الصَّوَاب الْمُعْجَمَة، وَهُوَ بِضَمِّ الذَّال وَإِسْكَان اللَّام جَمْع أَذْلَف كَأَحْمَر وَحُمْر، وَمَعْنَاهُ فُطْس الْأُنُوف قِصَارهَا مَعَ اِنْبِطَاح، وَقِيلَ: هُوَ غِلَظ فِي أَرْنَبَة الْأَنْف، وَقِيلَ تَطَامُن فيها، وَكُلّه مُتَقَارِب. 5187- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَلْبَسُونَ الشَّعْر، وَيَمْشُونَ فِي الشَّعْر» مَعْنَاهُ يَنْتَعِلُونَ الشَّعْر كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «نِعَالهمْ الشَّعْر» وَقَدْ وُجِدُوا فِي زَمَاننَا هَكَذَا، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «حُمْر الْوُجُوه» أَيْ بِيض الْوُجُوه مَشُوبَة بِحُمْرَةٍ. وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة: «صِغَار الْأَعْيُن» وَهَذِهِ كُلّهَا مُعْجِزَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ وُجِدَ قِتَال هَؤُلَاءِ التُّرْك بِجَمِيعِ صِفَاتهمْ الَّتِي ذَكَرَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِغَار الْأَعْيُن، حُمْر الْوُجُوه، ذُلْف الْآنِف، عِرَاض الْوُجُوه، كَأَنَّ وُجُوههمْ الْمَجَانّ الْمُطْرَقَة، يَنْتَعِلُونَ الشَّعْر فَوُجِدُوا بِهَذِهِ الصِّفَات كُلّهَا فِي زَمَاننَا، وَقَاتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مَرَّات، وَقِتَالهمْ الْآن، وَنَسْأَل اللَّه الْكَرِيم إِحْسَان الْعَاقِبَة لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرهمْ وَأَمْر غَيْرهمْ، وَسَائِر أَحْوَالهمْ، وَإِدَامَة اللُّطْف بِهِمْ، وَالْحِمَايَة، وَصَلَّى اللَّه عَلَى رَسُوله الَّذِي لَا يَنْطِق عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى. 5188- سبق شرحه بالباب. 5189- قَوْله: «يُوشِك أَهْل الْعِرَاق أَنْ لَا يَجِيء إِلَيْهِمْ قَفِيز... إِلَى آخِره» قَدْ سَبَقَ شَرْحه قَبْل هَذَا بِأَوْرَاقٍ. وَيُوشِك بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الشِّين، وَمَعْنَاهُ يُسْرِع. قَوْله: «ثُمَّ أَسْكَتَ هُنَيَّة» أَمَّا أَسْكَتَ فَهُوَ بِالْأَلِفِ فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُمْ رَوَوْهُ بِحَذْفِهَا وَإِثْبَاتهَا، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْثَرِينَ حَذَفُوهَا. وَسَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ، وَقِيلَ: أَسْكَتَ بِمَعْنَى أَطْرَقَ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى أَعْرَضَ. وَقَوْله هُنَيَّة بِتَشْدِيدِ الْيَاء بِلَا هَمْز قَالَ الْقَاضِي: رَوَاهُ لَنَا الصَّدَفِيّ بِالْهَمْزَةِ، وَهُوَ غَلَط، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه فِي كِتَاب الصَّلَاة. 5190- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُون فِي آخِر أُمَّتِي خَلِيفَة يَحْثِي الْمَال حَثْيًا. وَلَا يَعُدّهُ عَدَدًا» وَفِي رِوَايَة: «يَحْثُو الْمَال حَثْيًا» قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: حَيْثُ أَحْثِي حَثْيًا، وَحَثُوث أَحْثُو حَثْوًا، لُغَتَانِ، وَقَدْ جَاءَتْ اللُّغَتَانِ فِي هَذَا الْحَدِيث، وَجَاءَ مَصْدَر الثَّانِيَة عَلَى فِعْل الْأُولَى، وَهُوَ جَائِز مِنْ بَاب قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّه أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا} وَالْحَثْو هُوَ الْحَفْن بِالْيَدَيْنِ، وَهَذَا الْحَثْو الَّذِي يَفْعَلهُ هَذَا الْخَلِيفَة يَكُون لِكَثْرَةِ الْأَمْوَال وَالْغَنَائِم وَالْفُتُوحَات مَعَ سَخَاء نَفْسه. 5191- سبق شرحه بالباب. 5192- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُؤْس اِبْن سُمَيَّة تَقْتُلك فِئَة بَاغِيَة» وَفِي رِوَايَة: «وَيْس أَوْ يَا وَيْس» وَفِي رِوَايَة: «قَالَ لِعَمَّارٍ: تَقْتُلك الْفِئَة الْبَاغِيَة» أَمَّا الرِّوَايَة الْأُولَى فَهُو: (بُؤْس) بِبَاءٍ مُوَحَّدَة مَضْمُومَة وَبَعْدهَا هَمْزَة، وَالْبُؤْس وَالْبَأْسَاء الْمَكْرُوه وَالشِّدَّة، وَالْمَعْنَى يَا بُؤْس اِبْن سُمَيَّة مَا أَشَدّه وَأَعْظَمه: وَأَمَّا الرِّوَايَة الثَّانِيَة فَهِيَ (وَيْس) بِفَتْحِ الْوَاو وَإِسْكَان الْمُثَنَّاة. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ (وَيْح) كَلِمَة تَرَحُّم، و(وَيْس) تَصْغِيرهَا، أَيْ أَقَلّ مِنْهَا فِي ذَلِكَ. قَالَ الْهَرَوِيُّ: (وَيْح) يُقَال لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة لَا يَسْتَحِقّهَا، فَيُتَرَحَّم بِهَا عَلَيْهِ، وَيُرْثَى لَهُ، و(وَيْل) لِمَنْ يَسْتَحِقّهَا. وَقَالَ الْفَرَّاء: وَيْح وَوَيْس بِمَعْنَى وَيْل. وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ (وَيْح بَاب رَحْمَة، وَوَيْل بَاب عَذَاب)، وَقَالَ: وَيْح كَلِمَة زَجْر لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَكَة، وَوَيْل لِمَنْ وَقَعَ فيها. وَاَللَّه أَعْلَم. وَالْفِئَة الطَّائِفَة وَالْفِرْقَة. قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا الْحَدِيث حُجَّة ظَاهِرَة فِي أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ مُحِقًّا مُصِيبًا، وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى بُغَاة، لَكِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ، فَلَا إِثْم عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِع مِنْهَا هَذَا الْبَاب. وَفيه مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوْجُه: مِنْهَا أَنَّ عَمَّارًا يَمُوت قَتِيلًا، وَأَنَّهُ يَقْتُلهُ مُسْلِمُونَ، وَأَنَّهُمْ بُغَاة، وَأَنَّ الصَّحَابَة يُقَاتِلُونَ، وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِرْقَتَيْنِ: بَاغِيَة، وَغَيْرهَا، وَكُلّ هَذَا قَدْ وَقَعَ مِثْل فَلَق الصُّبْح، صَلَّى اللَّه وَسَلَّمَ عَلَى رَسُوله الَّذِي لَا يَنْطِق عَنْ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى. 5193- سبق شرحه بالباب. 5194- سبق شرحه بالباب. 5195- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُهْلِك أُمَّتِي هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْش» وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «هَلَاك أُمَّتِي عَلَى يَد أُغَيْلِمَة مِنْ قُرَيْش» هَذِهِ الرِّوَايَة تُبَيِّن أَنَّ الْمُرَاد بِرِوَايَةِ مُسْلِم: «طَائِفَة مِنْ قُرَيْش»، وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ الْمُعْجِزَات، وَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 5196- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ مَاتَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْده، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَر فَلَا قَيْصَر بَعْده، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزهمَا فِي سَبِيل اللَّه» قَالَ الشَّافِعِيّ وَسَائِر الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ لَا يَكُون كِسْرَى بِالْعِرَاقِ، وَلَا قَيْصَر بِالشَّامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَّمَنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِانْقِطَاعِ مُلْكهمَا فِي هَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ، فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَّا كِسْرَى فَانْقَطَعَ مُلْكه وَزَالَ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ جَمِيع الْأَرْض، وَتَمَزَّقَ مُلْكه كُلّ مُمَزَّق، وَاضْمَحَلَّ بِدَعْوَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا قَيْصَر فَانْهَزَمَ مِنْ الشَّام، وَدَخَلَ أَقَاصِي بِلَاده، فَافْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادهمَا، وَاسْتَقَرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْد، وَأَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ كُنُوزهمَا فِي سَبِيل اللَّه كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ مُعْجِزَات ظَاهِرَة. وَكِسْرَى بِفَتْحِ الْكَاف وَكَسْرهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَفِي رِوَايَة: «لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزهمَا فِي سَبِيل اللَّه» وَفِي رِوَايَة: «لَتُقَسَّمَنَّ كُنُوزهمَا فِي سَبِيل اللَّه» وَفِي رِوَايَة: «كَنْزًا لِكِسْرَى الَّذِي فِي الْأَبْيَض» أَيْ الَّذِي فِي قَصْره الْأَبْيَض، أَوْ قُصُوره وَدُوره الْبِيض. 5197- سبق شرحه بالباب. 5198- سبق شرحه بالباب. 5199- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَة الَّتِي بَعْضهَا فِي الْبَرّ وَبَعْضهَا فِي الْبَحْر: «يَغْزُوهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاق» قَالَ الْقَاضِي: كَذَا هُوَ فِي جَمِيع أُصُول صَحِيح مُسْلِم: (مِنْ بَنِي إِسْحَاق). قَالَ: قَالَ بَعْضهمْ: الْمَعْرُوف الْمَحْفُوظ مِنْ (بَنِي إِسْمَاعِيل)، وَهُوَ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ الْحَدِيث وَسِيَاقه؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْعَرَب، وَهَذِهِ الْمَدِينَة هِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّة. 5203- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا الْغَرْقَد؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَر الْيَهُود» وَالْغَرْقَد نَوْع مِنْ شَجَر الشَّوْك مَعْرُوف بِبِلَادِ بَيْت الْمَقْدِس، وَهُنَاكَ يَكُون قَتْل الدَّجَّال وَالْيَهُود. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة الدِّينَوَرِيّ: إِذَا عَظُمَتْ الْعَوْسَجَة صَارَتْ غَرْقَدَة. 5205- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُبْعَث دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ كُلّهمْ يَزْعُم أَنَّهُ رَسُول اللَّه» مَعْنَى (يُبْعَث) يَخْرُج وَيَظْهَر، وَسَبَقَ فِي أَوَّل الْكِتَاب تَفْسِير الدَّجَّال، وَأَنَّهُ مِنْ الدَّجْل، وَهُوَ التَّمْوِيه، وَقَدْ قِيلَ غَيْر ذَلِكَ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ خَلْق كَثِيرُونَ فِي الْأَعْصَار، وَأَهْلَكَهُمْ اللَّه تَعَالَى، وَقَلَعَ آثَارهمْ، وَكَذَلِكَ يُفْعَل بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ. .بَاب ذِكْر اِبْن صَيَّاد: قَالَ الْعُلَمَاء: وَقِصَّته مُشْكِلَة، وَأَمْره مُشْتَبَه فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ الْمَسِيح الدَّجَّال الْمَشْهُور أَمْ غَيْره؟ وَلَا شَكّ فِي أَنَّهُ دَجَّال مِنْ الدَّجَاجِلَة. قَالَ الْعُلَمَاء: وَظَاهِر الْأَحَادِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيح الدَّجَّال، وَلَا غَيْره، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّال، وَكَانَ فِي اِبْن صَيَّاد قَرَائِن مُحْتَمِلَة، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْطَع بِأَنَّهُ الدَّجَّال وَلَا غَيْره، وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَنْ تَسْتَطِيع قَتْله» وَأَمَّا اِحْتِجَاجه هُوَ بِأَنَّهُ مُسْلِم وَالدَّجَّال كَافِر، وَبِأَنَّهُ لَا يُولَد لِلدَّجَّالِ وَقَدْ وُلِدَ لَهُ هُوَ، وَأَنْ لَا يَدْخُل مَكَّة وَالْمَدِينَة وَأَنَّ اِبْن صَيَّاد دَخَلَ الْمَدِينَة، وَهُوَ مُتَوَجِّه إِلَى مَكَّة، فَلَا دَلَالَة لَهُ فيه لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ صِفَاته وَقْت فِتْنَته وَخُرُوجه فِي الْأَرْض، وَمِنْ اِشْتِبَاه قِصَّته وَكَوْنه أَحَد الدَّجَاجِلَة الْكَذَّابِينَ. قَوْله لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُول اللَّه؟» وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَأْتِيه صَادِق وَكَاذِب، وَأَنَّهُ يَرَى عَرْشًا فَوْق الْمَاء، وَأَنَّهُ لَا يَكْرَه أَنْ يَكُون هُوَ الدَّجَّال، وَأَنَّهُ يَعْرِف مَوْضِعه، وَقَوْله: إِنِّي لَأَعْرِفهُ، وَأَعْرِف مَوْلِده، وَأَيْنَ هُوَ الْآن وَانْتِفَاخه حَتَّى مَلَأ السِّكَّة. وَأَمَّا إِظْهَاره الْإِسْلَام وَحَجّه وَجِهَاده وَإِقْلَاعه عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي أَنَّهُ غَيْر الدَّجَّال. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي أَمْره بَعْد كِبَره، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْل، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا الصَّلَاة عَلَيْهِ كَشَفُوا عَنْ وَجْهه حَتَّى رَآهُ النَّاس، وَقِيلَ لَهُمْ: اِشْهَدُوا. قَالَ: وَكَانَ اِبْن عُمَر وَجَابِر فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا يَحْلِفَانِ أَنَّ اِبْن صَيَّاد هُوَ الدَّجَّال لَا يَشُكَّانِ فيه، فَقِيلَ لِجَابِرٍ: إِنَّهُ أَسْلَمَ، فَقَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ. فَقِيلَ: إِنَّهُ دَخَلَ مَكَّة، وَكَانَ فِي الْمَدِينَة، فَقَالَ: وَإِنْ دَخَلَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ جَابِر قَالَ: فَقَدْنَا اِبْن صَيَّاد يَوْم الْحَرَّة، وَهَذَا يُعَطِّل رِوَايَة مَنْ رَوَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلِّي عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّ جَابِر بْن عَبْد اللَّه حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اِبْن صَيَّاد هُوَ الدَّجَّال، وَأَنَّهُ سَمِعَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَحْلِف عَلَى ذَلِكَ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُنْكِرهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَقُول: وَاَللَّه مَا أَشُكّ أَنَّ اِبْن صَيَّاد هُوَ الْمَسِيح الدَّجَّال. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابه الْبَعْث وَالنُّشُور: اِخْتَلَفَ النَّاس فِي أَمْر اِبْن صَيَّاد اِخْتِلَافًا كَثِيرًا هَلْ هُوَ الدَّجَّال؟ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ غَيْره اِحْتَجَّ بِحَدِيثِ تَمِيم الدَّارِيّ فِي قِصَّة الْجَسَّاسَة الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا. قَالَ: وَيَجُوز أَنْ تُوَافِق صِفَة اِبْن صَيَّاد صِفَة الدَّجَّال كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّ أَشْبَه النَّاس بِالدَّجَّالِ عَبْد الْعُزَّى بْن قَطَن، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَكَانَ أَمْر اِبْن صَيَّاد فِتْنَة اِبْتَلَى اللَّه تَعَالَى بِهَا عِبَاده، فَعَصَمَ اللَّه تَعَالَى مِنْهَا الْمُسْلِمِينَ وَوَقَاهُمْ شَرّهَا. قَالَ: وَلَيْسَ فِي حَدِيث جَابِر أَكْثَر مِنْ سُكُوت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ عُمَر، فَيُحْتَمَل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَالْمُتَوَقِّفِ فِي أَمْره، ثُمَّ جَاءَهُ الْبَيَان أَنَّهُ غَيْره كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيث تَمِيم. هَذَا كَلَام الْبَيْهَقِيِّ، وَقَدْ اِخْتَارَ أَنَّهُ غَيْره، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَر وَعَنْ اِبْن عُمَر وَجَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُ الدَّجَّال. وَاَللَّه أَعْلَم. فَإِنْ قِيلَ: كَيْف لَمْ يَقْتُلهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ اِدَّعَى بِحَضْرَتِهِ النُّبُوَّة؟ فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْره: أَحَدهمَا أَنَّهُ كَانَ غَيْر بَالِغ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاض هَذَا الْجَوَاب. وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّام مُهَادَنَة الْيَهُود وَحُلَفَائِهِمْ، وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِم السُّنَن بِهَذَا الْجَوَاب الثَّانِي، قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة كَتَبَ بَيْنه وَبَيْن الْيَهُود كِتَاب صُلْح عَلَى أَنْ لَا يُهَاجُوا. وَيُتْرَكُوا عَلَى أَمْرهمْ، وَكَانَ اِبْن صَيَّاد مِنْهُمْ أَوْ دَخِيلًا فيهمْ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَمَّا اِمْتِحَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا خَبَّأَهُ لَهُ مِنْ آيَة الدُّخَان فَلِأَنَّهُ كَانَ يَبْلُغهُ مَا يَدَّعِيه مِنْ الْكِهَانَة، وَيَتَعَاطَاهُ مِنْ الْكَلَام فِي الْغَيْب، فَامْتَحَنَهُ لِيُعْلِم حَقِيقَة حَاله، وَيُظْهِر إِبْطَال حَاله لِلصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ كَاهِن سَاحِر يَأْتِيه الشَّيْطَان فَيُلْقِي عَلَى لِسَانه مَا يُلْقِيه الشَّيَاطِين إِلَى الْكَهَنَة، فَامْتَحَنَهُ بِإِضْمَارِ قَوْل اللَّه تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِين} وَقَالَ: «خَبَّأْت لَك خَبِيئًا» فَقَالَ: هُوَ الدُّخّ، أَيْ الدُّخَان، وَهِيَ لُغَة فيه، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُو قَدْرك» أَيْ لَا تُجَاوِز قَدْرك وَقَدْر أَمْثَالك مِنْ الْكُهَّان الَّذِينَ يَحْفَظُونَ مِنْ إِلْقَاء الشَّيْطَان كَلِمَة وَاحِدَة مِنْ جُمْلَة كَثِيرَة، بِخِلَافِ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُوحِي اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِمْ مِنْ عِلْم الْغَيْب مَا يُوحِي، فَيَكُون وَاضِحًا كَامِلًا، وَبِخِلَافِ مَا يُلْهِمهُ اللَّه الْأَوْلِيَاء مِنْ الْكَرَامَات. وَاَللَّه أَعْلَم. 5206- سبق شرحه بالباب. 5207- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَبَّأْت لَك خَبِيئًا» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُور رُوَاة مُسْلِم: (خَبِيئًا) بِبَاءٍ مُوَحَّدَة مَكْسُورَة ثُمَّ مُثَنَّاة. وَفِي بَعْض النُّسَخ، (خَبَّأَ) بِمُوَحَّدَةٍ فَقَطْ سَاكِنَة، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. قَوْله: (هُوَ الدُّخّ) هُوَ بِضَمِّ الدَّال وَتَشْدِيد الْخَاء، وَهِيَ لُغَة فِي الدُّخَان كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَحَكَى صَاحِب نِهَايَة الْغَرِيب فيه فَتْح الدَّال وَضَمّهَا، وَالْمَشْهُور فِي كُتُب اللُّغَة وَالْحَدِيث ضَمّهَا فَقَطْ، وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالدُّخِّ هُنَا الدُّخَان، وَأَنَّهَا لُغَة فيه. وَخَالَفَهُمْ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ: لَا مَعْنَى لِلدُّخَانِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَا يُخَبَّأ فِي كَفّ أَوْ كُمّ كَمَا قَالَ، بَلْ الدُّخّ بَيْت مَوْجُود بَيْن النَّخِيل وَالْبَسَاتِين قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُون مَعْنَى خَبَّأْت أَضْمَرْت لَك اِسْم الدُّخَان فَيَجُوز وَالصَّحِيح الْمَشْهُور أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْمَرَ لَهُ آيَة الدُّخَان، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِين} قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الدَّاوُدِيُّ: وَقِيلَ: كَانَتْ سُورَة الدُّخَان مَكْتُوبَة فِي يَده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ كَتَبَ الْآيَة فِي يَده. قَالَ الْقَاضِي: وَأَصَحّ الْأَقْوَال أَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ مِنْ الْآيَة الَّتِي أَضْمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِهَذَا اللَّفْظ النَّاقِص عَلَى عَادَة الْكُهَّان إِذَا أَلْقَى الشَّيْطَان إِلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَخْطَف قَبْل أَنْ يُدْرِكهُ الشِّهَاب، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُو قَدْرك» أَيْ الْقَدْر الَّذِي يُدْرِك الْكُهَّان مِنْ الِاهْتِدَاء إِلَى بَعْض الشَّيْء، وَمَا لَا يُبَيِّن مِنْ تَحْقِيقه، وَلَا يَصِل بِهِ إِلَى بَيَان وَتَحْقِيق أُمُور الْغَيْب. وَمَعْنَى (اِخْسَأْ) اُقْعُدْ فَلَنْ تَعْدُو قَدْرك. وَاَللَّه أَعْلَم. 5208- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لُبِسَ عَلَيْهِ» هُوَ بِضَمِّ اللَّام وَتَخْفِيف الْبَاء، أَيْ خُلِطَ عَلَيْهِ أَمْره كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «خُلِطَ عَلَيْك الْأَمْر»، أَيْ يَأْتِيه بِهِ شَيْطَان فَخُلِطَ. 5209- قَوْله: (فَلَبَسَنِي) بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا أَيْ: جَعَلَنِي أَلْتَبِس فِي أَمْره، وَأَشُكّ فيه. 5210- قَوْله: (فَأَخَذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَة) هُوَ ذَمَامَة بِذَالٍ مُعْجَمَة مَفْتُوحَة ثُمَّ مِيم مُخَفَّفَة، أَيْ حَيَاء وَإِشْفَاق مِنْ الذَّمّ وَاللَّوْم. قَوْله: (حَتَّى كَادَ أَنْ يَأْخُذ فِيَّ قَوْله) هُوَ بِتَشْدِيدِ (فِيَّ)، وَقَوْله مَرْفُوع، وَهُوَ فَاعِل يَأْخُذ، أَيْ يُؤَثِّر فِيَّ، وَأُصَدِّقهُ فِي دَعْوَاهُ. 5211- قَوْله: (فَجَاءَ بِعُسٍّ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْن، وَهُوَ الْقَدَح الْكَبِير، وَجَمْعه عِسَاس بِكَسْرِ الْعَيْن وَأَعْسَاس. قَوْله: «تَبًّا لَك سَائِر الْيَوْم» أَيْ خُسْرَانًا وَهَلَاكًا لَك فِي بَاقِي الْيَوْم، وَهُوَ مَنْصُوب بِفِعْلٍ مُضْمَر مَتْرُوك الْإِظْهَار. 5213- قَوْله: فِي: «تُرْبَة الْجَنَّة»: هِيَ دَرْمَكَة بَيْضَاء مِسْك خَالِص. قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَنَّهَا فِي الْبَيَاض دَرْمَكَة، وَفِي الطِّيب مِسْك، وَالدَّرْمَك هُوَ الدَّقِيق الْحَوَارِيّ الْخَالِص الْبَيَاض. وَذَكَرَ مُسْلِم الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ اِبْن صَيَّاد عَنْ تُرْبَة الْجَنَّة، أَوْ اِبْن صَيَّاد سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْض أَهْل النَّظَر: الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَظْهَر. 5214- قَوْله: «إِنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَلَفَ بِحَضْرَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اِبْن صَيَّاد هُوَ الدَّجَّال» اِسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَة عَلَى جَوَاز الْيَمِين بِالظَّنِّ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَط فيها الْيَقِين، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ عِنْد أَصْحَابنَا، حَتَّى لَوْ رَأَى بِخَطِّ أَبِيهِ الْمَيِّت أَنَّ لَهُ عِنْد زَيْد كَذَا، وَغَلَبَ عَلَى ظَنّه أَنَّهُ خَطّه، وَلَمْ يَتَيَقَّن، جَازَ الْحَلِف عَلَى اِسْتِحْقَاقه. 5215- قَوْله فِي رِوَايَة حَرْمَلَة: (عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ يُونُس عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ عُمَر اِنْطَلَقَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ، وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ سَقَطَ فِي نُسْخَة اِبْن مَاهَان ذَكَرَ اِبْن عُمَر، وَصَارَ عِنْده مُنْقَطِعًا. قَالَ هُوَ وَغَيْره: وَالصَّوَاب رِوَايَة الْجُمْهُور مُتَّصِلًا بِذِكْرِ اِبْن عُمَر. قَوْله: «عِنْد أُطُم بَنِي مَغَالَة» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض النُّسَخ: (بَنِي مَغَالَة)، وَفِي بَعْضهَا (اِبْن مَغَالَة)، وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور. وَالْمَغَالَة بِفَتْحِ الْمِيم وَتَخْفِيف الْغَيْن الْمُعْجَمَة. وَذَكَرَ مُسْلِم فِي رِوَايَة الْحَسَن الْحَلْوَانِيّ الَّتِي بَعْد هَذِهِ أَنَّهُ أُطُم بَنِي مُعَاوِيَة بِضَمِّ الْمِيم وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة. قَالَ الْعُلَمَاء: الْمَشْهُور الْمَعْرُوف هُوَ الْأَوَّل. قَالَ الْقَاضِي: وَبَنُو مَغَالَة كُلّ مَا كَانَ عَلَى يَمِينك إِذَا وَقَفْت آخِر الْبَلَاط مُسْتَقْبِل مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأُطُم بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالطَّاء هُوَ الْحِصْن جَمْعه آطَام. قَوْله: «فَرَفَضَهُ» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر نُسَخ بِلَادنَا: (فَرَفَضَهُ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة، وَقَالَ الْقَاضِي: رِوَايَتنَا فيه عَنْ الْجَمَاعَة بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة. قَالَ بَعْضهمْ: الرُّفَص بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة الضَّرْب بِالرِّجْلِ مِثْل الرَّفْس بِالسِّينِ. قَالَ: فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهُوَ مَعْنَاهُ. قَالَ: لَكِنْ لَمْ أَجِد هَذِهِ اللَّفْظَة فِي أُصُول اللُّغَة. قَالَ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْقَاضِي التَّمِيمِيّ. (فَرَفَضَهُ) بِضَادٍ مُعْجَمَة، وَهُوَ وَهْم. قَالَ: وَفِي الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة الْمَرْوَزِيِّ: (فَرَقَصه) بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَة، وَلَا وَجْه لَهُ. وَفِي الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْأَدَب (فَرَفَضَ) بِضَادٍ مُعْجَمَة. قَالَ: وَرَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبه: (فَرَصَهُ) بِصَادٍ مُهْمَلَة، أَيْ ضَغَطَهُ حَتَّى ضُمَّ بَعْضه إِلَى بَعْض، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بُنْيَان مَرْصُوص} قُلْت: وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى (رَفَضَهُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ تَرَكَ سُؤَاله الْإِسْلَام لِيَأْسِهِ مِنْهُ حِينَئِذٍ، ثُمَّ شَرَعَ فِي سُؤَاله عَمَّا يَرَى. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله: «وَهُوَ يَخْتِل أَنْ يَسْمَع مِنْ اِبْن صَيَّاد شَيْئًا» هُوَ بِكَسْرِ التَّاء أَيْ يَخْدَع اِبْن صَيَّاد، وَيَتَغَفَّلهُ لِيَسْمَع شَيْئًا مِنْ كَلَامه، وَيَعْلَم هُوَ وَالصَّحَابَة حَاله فِي أَنَّهُ كَاهِن أَمْ سَاحِر وَنَحْوهمَا. وَفيه كَشْف أَحْوَال مَنْ تُخَاف مَفْسَدَته. وَفيه كَشْف الْإِمَام الْأُمُور الْمُهِمَّة بِنَفْسِهِ. قَوْله: «إِنَّهُ فِي قَطِيفَة لَهُ فيها زَمْزَمَة» الْقَطِيفَة كِسَاء مُخْمَل سَبَقَ بَيَانهَا مَرَّات، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَة فِي مُعْظَم نُسَخ مُسْلِم (زَمْزَمَة) بِزَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ، وَفِي بَعْضهَا بِرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ بِالْوَجْهَيْنِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُور رُوَاة مُسْلِم أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ، وَأَنَّهُ فِي بَعْضهَا (رَمْزَة) بِرَاءٍ أَوَّلًا وَزَاي آخِرًا وَحَذْف الْمِيم الثَّانِيَة، وَهُوَ صَوْت خَفِيّ لَا يَكَاد يُفْهَم، أَوْ لَا يُفْهَم. قَوْله: «فَثَارَ اِبْن صَيَّاد» أَيْ نَهَضَ مِنْ مَضْجَعه وَقَامَ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَبِيّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمه، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوح قَوْمه» هَذَا الْإِنْذَار لِعِظَمِ فِتْنَته وَشِدَّة أَمْرهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْلَمُوا أَنَّهُ أَعْوَر» اِتَّفَقَ الرُّوَاة عَلَى ضَبْطه تَعْلَّمُوا بِفَتْحِ الْعَيْن وَاللَّام الْمُشَدَّدَة، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْره عَنْهُمْ قَالُوا: وَمَعْنَاهُ اِعْلَمُوا وَتَحَقَّقُوا. يُقَال: تَعْلَّم بِفَتْحٍ مُشَدَّد بِمَعْنَى اِعْلَمْ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَد مِنْكُمْ رَبّه حَتَّى يَمُوت» قَالَ الْمَازِرِيّ: هَذَا الْحَدِيث فيه تَنْبِيه عَلَى إِثْبَات رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ، وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَحِيلَة كَمَا يَزْعُم الْمُعْتَزِلَة لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَوْتِ مَعْنَى، وَالْأَحَادِيث بِمَعْنَى هَذَا كَثِيرَة سَبَقَتْ فِي كِتَاب الْإِيمَان جُمْلَة مِنْهَا مَعَ آيَات مِنْ الْقُرْآن، وَسَبَقَ هُنَاكَ تَقْرِير الْمَسْأَلَة. قَالَ الْقَاضِي: وَمَذْهَب أَهْل الْحَقّ أَنَّهَا غَيْر مُسْتَحِيلَة فِي الدُّنْيَا، بَلْ مُمْكِنَة، ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي وُقُوعهَا، وَمَنْ مَنَعَهُ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيث مَعَ قَوْله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} عَلَى مَذْهَب مَنْ تَأَوَّلَهُ فِي الدُّنْيَا. وَكَذَلِكَ اِخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه لَيْلَة الْإِسْرَاء. وَلِلسَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ، ثُمَّ الْأَئِمَّة الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالنُّظَّار فِي ذَلِكَ خِلَاف مَعْرُوف، وَقَالَ أَكْثَر مَانِعِيهَا فِي الدُّنْيَا: سَبَب الْمَنْع ضَعْف قُوَى الْآدَمِيّ فِي الدُّنْيَا عَنْ اِحْتِمَالهَا كَمَا لَمْ يَحْتَمِلهَا مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله: «نَاهَزَ الْحُلُم» أَيْ قَارَبَ الْبُلُوغ. 5216- قَوْله: «فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأ السِّكَّة» السِّكَّة بِكَسْرِ السِّين الطَّرِيق، وَجَمْعهَا سِكَك. قَالَ أَبُو عُبَيْد: أَصْل السِّكَّة الطَّرِيق الْمُصْطَفَّة مِنْ النَّخْل. قَالَ: وَسُمِّيَتْ الْأَزِقَّة سِكَكًا لِاصْطِفَافِ الدُّور فيها. 5217- قَوْله: «فَلَقِيته لُقْيَة أُخْرَى» قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق: رُوِّينَاهُ (لُقْيَة) بِضَمِّ اللَّام. قَالَ ثَعْلَب وَغَيْره: يَقُولُونَهُ بِفَتْحِهَا. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَالْمَعْرُوف فِي اللُّغَة وَالرِّوَايَة بِبِلَادِنَا الْفَتْح. قَوْله: «وَقَدْ نَفَرَتْ عَيْنه» بِفَتْحِ النُّون وَالْفَاء أَيْ وَرِمَتْ وَنَتَأَتْ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى وَجْه آخَر وَالظَّاهِر أَنَّهَا تَصْحِيف.
|